Loading...

العادات السودانية في شهر رمضان

المجتمع السوداني يختلف تمامًا عن المجتمعات الأخرى في كافة الأصعدة و المستويات، فهي مجتمع تتسم بالتسامح، و الكرم، والجود، و قبول الآخر، فضلًا عن الشهامة و النخوة، و هذه الصفات المتميزة ذكرها الدكتور إبراهيم أبو سليم في كتابه الشخصية السودانية، و هذه الصفات تجلت من خلال التعايش و الترابط الوثيق بين أفراد المجتمع و شكلت صورة جمالية للشخصية السودانية أينما حل هو مرفوع الرأس. الكرم والجود في المجتمع السوداني هي الصفة المميزة للشخصية السودانية، بحيث كل بيت سودان هو قِبلة للضيوف، و إذا جالستهم تكون أنت صاحب المنزل و هم الضيوف، و هذا نادرًا ما يوجد في المجتمعات الأخرى، لذلك هذه الصفات أصبحت محل دراسة لكثير من المفكرين في دول الغرب من تجاربهم الشخصية و وجودهم في الدولة السودانية، حاولوا بجهد تطبيق و هذه الصفات في المجتمعات الغربية لكنها كانت عصية، و هذا يرجع إلى التركيبة المجتمعية لسُكان الدولة المعنية. من العادات والتقاليد السودانية الجميلة جدًا، التي أبهرت العالم أجمع هي اللمة في المناسبات أي بمفهوم آخر ( اللمة في الضَرا) لتناول الوجبات المختلفة. كلمة الضَرا : مكان يجتمع فيها سُكان الحي أي القرية أو المدينة لتناول فيها الوجبات المختلفة، و غالبًا ما تكون راكوبة أو قطية تختلف من القرية إلى المدينة. أيضًا في المناطق يسمى مضيفة و هي مكان للضيوف بكامل تجهيزاتها، و هذا الضيف يجد نفسه عزيزًا مكرمًا كأنه في منزله. و هذا الضَرا عبارة عن وطن مصغر بحيث يجتمع الناس لمناولة الوجبات من دون أن يكون هناك تقاطعات على أساس العِرق و اللون و الدين، و أبلغ هي دولة المواطنة بلا تمييز. و من مميزات الضَرا أحيانًا يتم مناقشة بعض الأمور التي تحتاج للجودية، و يتم وضع الحلول آنيًا، يستخدمون لغة الحوار و قبول الآخر لذلك ينتجون أودية فعالة لهذه المشكلات. كلمة الجودِية: مجموعة من الناس يتميزون بالحكمة و الرأي السديد، و هذه الكلمة هي مستخدمة كثيرًا في المجتمعات الدارفورية و الكردفانية. هذه المقدمة كان فاتحة لعنوان المقال ( العادات السودانية في رمضان). شهر رمضان هو الشهر التاسع في التقويم الهجري، و هو شهر مميز لدى المسلمين، حيث أنزل فيه القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر، ليالي العشر الأواخر من رمضان، و هو من الشهور المهمة في التقويم الهجري. في الدولة السودانية شهر رمضان له طعم خاص من حيث العادات والتقاليد، و التجهيزات المبكرة له من قبل النساء السودانيات الذين يجملون الرمضان الموائد ذات الطعم الخاص. في وقت مبكر يتم الاستعداد لشهر رمضان، من بداية شهر شعبان النساء السودانيات يذهبن إلى الأسواق الشعبية لشراء مكونات المشروبات الرمضانية، و لكن هذه المرة رمضان أتى على أصوات المرفقات الحربية، و البويتات أصبحت خاوية على عروشها، الجميع الآن بعيدين عن بيوتهم، لكن لا أسفًا يذهب الحرب و يبقى الوطن و العودة أحمد. النساء مبكرًا يذهبن إلى السوق لشراء مكونات الأبري ( الحلو مر) و هي الدخن البهارات الخاصة الأبري، و حطب الطلع المستخدم في صناعة الأبري. الأبري : من المشروبات السودانية الرئيسية في شهر رمضان لا يوجد بيت سوداني غالي من الأبري و يتم تصنيعه من الدخن، بحيث يتم تزريع الدخن و طحنه و خمرهُ مع إضافة بعض البهارات الخاصة به. في شهر شعبان رائحة الأبري بكتنف الأنوف بحيث كل البيوت السودانية تصنع الأبري مع عدا الطبقات الذي تتمتع بالدخل العالي. صناعة الأبري في الريف له طعم خاص، بحيث يجتمع النساء في كل يوم بيت لصناعة الأبري لإحداهن و هذه دلالة على الترابط الكبير بين مجتمع الريف فهو يختلف تمامًا عن مجتمع المدينة. هذه العادات والتقاليد هي متوارثة من جد لأب، لإبن، و لا يمكن أن ينتهي أو يذهب بها الريح إلى الرصيف و يصبح المجتمع السوداني فاقد للعادات. حتى الأطفال الصِغار لهم اهتمام خاص بشهر رمضان يتم الاستعداد له مبكرًا من قبل الأطفال الذين يرسمون البهجة في وجوه الصائمين، قبل ثلاث أيام من الرمضان يتم التجهيز من قبل الأطفال بحيث يجمعون الحجارة في شكل تخطيط هندسي غير متوازي الأضلاع، في مسجد، في هذا المكان يكون هو المكان المخصص الإفطار في رمضان. الصينية السودانية في رمضان، الذي يجمل الرمضان في السودان هي الصينية السودانية، بحيث كل بيت يخرج بالصينية و يجتمعون في الضَرا، و هذه الصينية هي مكونة من جكوك العصير المختلفة و أهمها جك الأبري، و جك النشأ، و عصيدة الداميرقا و الدخن بملاح الشرموط ( التقلية) و، مُلاح البامية المفروكة، و كورة البلح، و كورة البليلة بأنواعها المختلفة. هذه الصينية ليس هِكرًا على أصحاب المنزل، لا بل لكل الناس الموجودين في الضَرا، و في مثل مشهور ( الضَرا سوق) بمعنى لك الإختيار في تناول الشئ الذي يعجبك، هذه الصينية تعود إلى المنزل خاليًا. قبل دقائق من آذان الإفطار تجد مجموعة من الشباب يربطون الشوراع حجزًا للمارة، و دعوتهم لتناول وجبة الإفطار و من ثم الذهاب. عند صلاة العشاء و التروايح تجد الأطفال في الميادين العامة يلعبون بسلك اللماع يشعلون فيه النار، و يركضون مع بعض، و لكن هذا يجد نقدًا من الذين تقدموا في العمر، في السودان يسمونهم ( الحجاج، أي عمك) خوفًا من إصابة الأطفال بالنار و حتى الاشتعال في المنازل. في موعد السحور مجموعة من الشباب يحملون الجرادل و الأكواز و يضربون عليه و يصدر صوت مميز صوت الطار و يغنون بالأغنيات الخالي من اللحن و الموسيقى، كمثل ( يا صائم قوم إتسحر، يا صائم خلي النوم، كو كرورر) و الهدف من ذلك هو تنبيه الصائمين بموعد السحور. الدولة السودانية جميلة بكل تفاصيلها، و هذه التفاصيل ميزت الشخصية السودانية عن الشخصيات الأخرى، كل الأمنيات لوطننا بالتقدم و الإزدهار و السلام و الإستقرار، و الرمضان فرصة جيدة لقبول الآخر و التسامح. دعونا جميعًا سودانيين بمختلف إنتماءتنا السياسية و مشاربنا الثقافية، أن نجعل من رمضان مساحة لترك الغبن الإجتماعي الموجود بينا، و نسعى لبناء وطن جديد يقبلنا بكل تفاصلينا و نحافظ على هذه العادات والتقاليد السودانية السمحة، إذا لم يكن ذلك تذهب هذه العادات والتقاليد في مهب الريح، لا نريد ذلك بل نريد المحافظة على هذه التفاصيل. رمضان مساحة للتسامح. كل عام و أنتم بخير. رمضان مبارك.

إبراهيم دربات

كاتب و ناقد و باحث . السودان

التعليقات

اترك تعليقك هنا لنعرف رئيك

تعليقات من قراء

لا يوجد تعليقات الى الان