Loading...

نزاع الأطراف حول ملكية النصوص

تنازعُ النصوص الأدبية، وادعاء أكثر من طرف لنصّ ما، من الأمور الشائعة في تاريخ الأدب العربي، ومن يعرف التراث العربي لا يستغرب الضجة التي شهدناها في الأيام الماضية. ذلك أن أشباهها ونظائرها كثيرة جداً. في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) تنازع الشاعران ابن الخيمي وابن سوار ملكيّة قصيدة، وكان لذلك التنازع قصة طريفة جداً. التقى الشاعران أثناء الحج في المشعر الحرام بمني، وكان ابن الخيمي قد أنجز بـأبياته الشهيرة التي يقول في المقطع الأول منها :

 يا مطـــــــــلباً ليس لي في غـــيره أربُ

         إلـــيك آل التقــــصِّي وانــــتهى الطلبُ

ومـــــــا أراني أهــــلاً أن تواصـــــــلني

        حــسبي عــــــلواً بأني فيـك مكــتئبُ

 لـــكن يــــــنازعُ شوقي تــــارةً أدبي

         فأطلب الوصــــلَ لـما يضــــعفُ الأدبُ

 ولستُ أبـــرح في الحـــــالين ذا قلـــــق

         نام وشوقٍ لــــــه في أضــــلعي لــــهب

 ومدمعِ كـــلما كفـــكفت صَيّـِبَهُ

        صوناً لذكــرك يعصـيني وينـسكبُ

 ويدَّعي في الهـــــوى دمعي مقاسـمتي

        وجدي وحزني و يجـــري وهو مختضبُ

 كالطــــرف يزعــــم توحيدَ الحبيب

         ولا يزالُ في ليـــــلهِ للنــــــجمِ يرتقبُ

 يا صاحبي قد عــــدمت المسعدين فسا

                عدني على وَصَبي لا مَسّــــَكَ الوصــــبُ

 بالله إن جزتَ كــــثباناً بذي سَـــــــلَمٍ

        قفْ بي عليــــها وقُلْ لي: هذه الكـــثبُ

ليقضي الخدُّ من أجــــــراعها وطــــــراً

        في تُربها ويــــــــؤدي بعض ما يــــجبُ

وملْ إلي البان من شــرقّي كــــــاظمة

        فلــــي إلى البـــــان من شرقيِّــــــها أربُ

وكـــــــــــلما لاح معنى من جمالــهم

        لباه شـــوقٌ إلى معنـــــــــاه منتـــــسبُ

أظلُّ دهري ولي من حبـــــــهم طـــــربٌ

        ومن أليم اشتـــــــياقي نحـــــوهم حَرَبُ

فأسمعها لابن سوار فيما كانا يتجاذبان أطراف الحديث، لكنه في اليوم الثاني فقد الورقة التي كتب فيها قصيدته، وبعد انتهاء موسم الحج عاد ابن سوار إلى مصر، وتأخر ابن الخيمي مدة في مكة، وحين عاد إلى القاهرة فوجئ بأصداء بائيته البديعة تتردد في أرجاء مصر كلها. فقد ادّعاها صديقه ابن سوار ونسبها لنفسه ، وقامت قيامة ابن الخيمي واستنجد بكبار أدباء زمنه، وتم تحكيم الشاعر الشهير ابن الفارض، وأقيم محفل أدبي حافل شهده لفيف كبير من الشعراء والأدباء، وأمام الجميع طلب ابن الفارض من الشاعرين أن يكتبا قصيدتين على نفس بحر البائية ورويّها، ليتميز الصادق من الكاذب.

 

حبس الحاضرون أنفاسهم ريثما ينجز كل منهما القصيدة. وقد اندهش الحاضرون لتقارب المستوى بين الشاعرين إلى درجة غريبة، لكن ابن الفارض حكم لصالح ابن الخيمي. في اللحظة نفسها أشاد أحد الأدباء من الحاضرين بابن سوار قائلاً: إن من يبدع قصيدة بهذه الجمال لا يمكن أن يكون سارقاً. فقال ابن الخيمي: أعرف أن صاحبي شاعر كبير وأن مقامه في الشعر لا يقل عن مقامي لكن سرقته لقصيدتي ليست سرقة حاجة؛ بل سرقة عادة. ففهم الجميع مغزى كلامه، ومعناه بلغتنا اليوم أن ابن سوار كان مصاباً بمرض السرقة، وأنه عندما سرق القصيدة كان يفعل ذلك ليس احتياجاً إليها بسبب نقص موهبته، ولكنه يعاني من مرض نفسي قاهر .


علوان مهدي الجيلاني

مفكر و شاعر و كاتب و ناقد يمني مقيم في مصر

التعليقات

اترك تعليقك هنا لنعرف رئيك

تعليقات من قراء

لا يوجد تعليقات الى الان